لقد ثبت في الصحيحين حديثُ تفضيل الجماعة على صلاة الفذ بخمسٍ وعشرين درجة، وفي بعضِ رواياته بسبعٍ وعشرين درجة.
قال الشوكاني رحمه الله: وقد اختلف هل الراجح رواية السبع والعشرين أو الخمس والعشرين، فقيل رواية الخمس لكثرة رواتها، وقيل رواية السبع لأن فيها زيادة من عدل حافظ، وقد جمع بينهما بوجوه: منها أن ذكر القليل لا ينفي الكثير وقيل إنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أخبر بالخمس ثم أخبره اللَّه بزيادة الفضل فأخبر بالسبع، وتعقب بأنه محتاج إلى التاريخ وبأن دخول النسخ في الفضائل مختلف فيه. وقيل الفرق باعتبار قرب المسجد وبعده. وقيل الفرق بحال المصلي كأن يكون أعلم وأخشع. وقيل الفرق بإيقاعها في المسجد أو غيره. وقيل الفرق بالمنتظر للصلاة وغيره. وقيل الفرق بإدراكها كلها أو بعضها. وقيل الفرق بكثرة الجماعة وقلتهم. وقيل السبع مختصة بالفجر والعشاء. وقيل بالفجر والعصر، والخمس بما عدا ذلك، وقيل السبع مختصة بالجهرية والخمس بالسرية، ورجحه الحافظ في الفتح. والراجح عندي أولها لدخول مفهوم الخمس تحت مفهوم السبع. انتهى.
إذا علمت هذا فاعلم أن من أول صفات المؤمنين التي مُدحوا بها أنهم يؤمنون بالغيب، فالواجبُ علينا أن نصدق بالأخبار الواردة عن الله دون تَمحُّلٍ أو تكلف ٍ لمعرفة حكمة ما لم تظهر حكمته، ومضاعفة أجور العاملين من هذا الباب فالله يضاعف الأجر لمن يشاء على الوجه الذي يشاء. لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء: 23}.
وعلي العباد أن يذعنوا ويستسلموا ويتلقوا خبره بالتصديق وفضله بالشكر، ولا يُعملوا عقولهم فيما لا مجال لمعرفته أو إدراكه، وما أحسن ما قاله العلامة الشوكاني رحمه الله عند كلامه عن سر تضعيف صلاة الجماعة بهذا العدد الوارد في الحديث ، وهذه عبارته فعض عليها بالنواجذ: ـ واعلم ـ أن التخصيص بهذا العدد من أسرار النبوة التي تقصر العقول عن إدراكها، وقد تعرض جماعة للكلام على وجه الحكمة وذكروا مناسبات وقد طول الكلام في ذلك صاحب الفتح فمن أحب الوقوف على ذلك رجع إليه.