الفضائيات العربية والثائقيات

الفضائيات العربية والثائقيات
تحتل العلوم مساحة لا بأس بها من الفضائيات العربية، خبرا وتقريرا أحيانا، أما الخبر فيأتي من عالم العالمين والباحثين، ويجيء التقرير عنهم ومنهم ولهم. المرة الوحيدة ربما التي حاولت فيها الفضائيات العربية صناعة شيء «علمي» خاص بهذه المساحة الجغرافية التي تصنع وتجيد صناعة الخرافات والقصيد والمواعظ كانت الاحتفاء العاجل الاخباري بالعالم أحمد زويل. أحيانا يجيء فيلم وثائقي يصنعه أحد هواة السفر إلى الماضي فيتلقط ما ترويه المكتبات عن العصور والعواصم الآفلة، فيذكر المشاهدين بما «كان» لا بما هو كائن ولا بما سيكون. أي بكلمة مختصرة، يحال كل ما له علاقة بالعلوم إلى الماضي، وكأن قفص «كان» هو المكان الوحيد والملائم لنا إذا كان الموضوع العلم والعلماء. هذا مبرر بالطبع، ولا تستطيع الفضائيات اختراع «مختبر» أو «مصنع» أو «جامعة» تحمل هويات عربية، ولا تستطيع اختراع علماء فيزياء وكيمياء وطبقات أرضية أو فضائية.
الكثير من المعلقين ينصرفون إلى التعليق على بضاعة فضائياتنا من تهريج سياسي وطبل وزمر وحفلات تحضير جن وشياطين، ولا يلفت نظرهم ما يغيب عنها. أنا هذه المرة يلفت نظري الغائب؛ فحين أنتقل إلى شاشة بلد مثل روسيا اليوم مثلا، أجد غالبية برامجها تتنقل بين جامعات ومراكز أبحاث علمية ومصانع، وحين تستضيف متحدثين تجيء بهذا من معهد فيزياء فضاء وذاك من جامعة تقانية وذاك من أكاديمية استراتيجيات، وأجد الأمر نفسه في فضائيات ألمانية وفرنسية. طبعا ليس كل هذا العالم مشغول بما ذكرت، فللخرافات هناك نصيب أيضا، فضائيات كشف الحظ موجودة، وموجودة فضائيات السفر في عوالم العفاريت، إلا أن هذه تظل مجرد هوامش للتسلية لا تنطق عن حركة واتجاه مجتمعات كما هو حاصل في فضائنا. هذه العوالم، عوالم التسلية، عندنا هي صلب الموضوع، وهي كل شيء وما عداها هوامش.
يقال أحيانا، قل لي ماذا تشاهد أقل لك من أنت، فإذا طبقنا هذا على الشاشات، سنقول، قل ماذا تعرض وفي ماذا تفكر أقل لك من أنت. الفضائية مرآة صادقة بالفعل، ولا تعكس المرآة إلا المشهد، أي لا تعكس إلا بضاعتك
.

شكــــــــــــــــــــــــــرا

شكرا