الدولة الأموية: (41-132هـ، 661-750م). هي الدولة الأولى بعد انتهاء عصر الخلفاء الراشدين عام 41هـ حيث آلت خلافة المسلمين إلى معاوية بن أبي سفيان بن أمية إثر مقتل الخليفة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، آخر الخلفاء الراشدين.
ينتسب الأمويون إلى أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ابن قصي، ويلتقي نسبه مع نسب الرسول ³ في عبد مناف. وكان أمية في الجاهلية سيدًا من سادات قريش، مساويًا لعمه هاشم بن عبد مناف (جد النبي عليه السلام) في الشرف، ولكن يفوقه في المال والولد. وكان البيت الأموي والبيت الهاشمي يتنافسان على رئاسة قريش بمكة. فلما ظهرت النبوة في بني هاشم؛ تفوقوا على بني أمية في الشرف، وزادوا شرفًا حين تسابقوا للدخول في الإسلام ومناصرة الرسول ³ في الدعوة والجهاد بالنفس والمال، ولم يناصره من بني أمية إلا القليل، وقاوم معظمهم الإسلام بقيادة أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية، الذي لم يدخل الإسلام مع بعض الأمويين إلا عند فتح مكة عام 8هـ، 629م. وحاولوا أن يتلافوا بعد هذا ما فاتهم من شرف السبق بالإسلام ونصرته، فأبلوا في فتوح الشام. وعندما أصبح معاوية واليا على الشام، اجتذب إليه قلوب أهلها بسياسته ودهائه، وقد استمر في هذه السياسة حينما آلت إليه مقاليد الدولة الإسلامية كلها، فجعل من دمشق عاصمة للدولة، ووطد فيها أركان ملكه.
خلفاء بني أمية. تعاقب على خلافة بني أمية أربعة عشر خليفة، حكم أربعة منهم لنحو سبعين سنة بينما حكم عشرة خلفاء لإحدى وعشرين سنة فقط. والخلفاء هم: معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية (41-60هـ)؛ يزيد بن معاوية (60 - 64هـ)؛ معاوية الثاني بن يزيد بن معاوية (64هـ)؛ مروان بن الحكم بن أبي العاص (64 - 65هـ)؛ عبدالملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية (65 - 86هـ)؛ الوليد بن عبدالملك (86 - 96هـ)؛ سليمان بن عبدالملك (96 - 99هـ)؛ عمر بن عبدالعزيز ابن مروان (99 - 101هـ)؛ يزيد الثاني بن عبدالملك (101 - 105هـ)؛ هشام بن عبدالملك (105 - 125هـ)؛ الوليد الثاني بن يزيد الثاني (125 - 126هـ)؛ يزيد الثالث بن الوليد بن عبدالملك (126هـ)؛ إبراهيم بن الوليد بن عبدالملك (126هـ)؛ مروان بن محمد بن مروان ابن الحكم بن أبي العاص (127 - 132هـ).
الأمويون والجهاد لنشر الإسلام. اهتم الأمويون بالجهاد في سبيل الله ونشر الإسلام فوصلت دولتهم إلى حدود الصين شرقًا وإلى المحيط الأطلسي غربًا وإلى أسوار القسطنطينية شمالاً وإلى بلاد النوبة جنوبًا. واعتزوا بهذا الدور. وشارك كثير من فتيانهم في قيادة فيالق الجهاد. وقد وردت فتوحاتهم في المناطق المختلفة ودورهم في نشر الإسلام من خلال تراجم خلفاء بني أمية.
إسهام الأمويين في الحضارة. اهتم الأمويون باللغة العربية فجعلوها لغة الدواوين والنقد والعلم والدولة عامة، ونمت في عهدهم حركة تعريبية واسعة.
وتعدد في عهدهم الكتاب لتعدد مصالح الدولة. فكان هناك كتاب لكل ديوان من الدواوين المختلفة: الرسائل والخراج والجند والشرطة والقضاء، واشتهر من بين هؤلاء الكتاب عبدالحميد الكاتب، في عهد مروان بن محمد. وتمتع الكتاب بمنزلة كبيرة ومركز اجتماعي مرموق.
استحدث الأمويون وظيفة الحاجب بعد موقف الخوارج ومؤامرتهم على حياة علي ومعاوية وعمرو بن العاص، ونجاحهم في قتل علي بن أبي طالب. واختاروا القضاة من ذوي التقوى والورع، واحترموا أحكامهم. وأنشأوا محكمة للمظالم تشبه محكمة الاستئناف في زماننا هذا، تعرض عليها القضايا التي يعجز القضاء العادي عن تنفيذ الحكم فيها، أو يلجأ إليها المتقاضون الذين يعتقدون أن القاضي لم يحكم بينهم بالعدل. وكانت تعقد تحت رئاسة الخليفة أو الوالي أو من ينوب عن أحدهما. وكان عبدالملك بن مروان أول من جلس من الخلفاء الأمويين للنظر في ظلامات الناس.
ويذكر التاريخ لعمر بن عبدالعزيز أنه أول من أمر بتدوين الحديث النبوي الشريف تدوينًا رسميًا منظمًا.
اهتم الأمويون بالعمارة، وتشهد لهم قصور البادية، كقصر عَمْرة في الأردن وغيره، والجامع الأموي في دمشق، حيث تفنن البناؤون في زخرفتها وطراز بنائها وحمَّاماتها وأسوارها، وغيرها من العناصر الجمالية الراقية.
واعتنوا بالأدب منذ أيام معاوية . فهو أول من أنشأ بيتًا للحكمة (أي مركزًا للبحث ومكتبة). وبلغت الصياغة في الترجمة أوجها في عهدهم وكثر التأليف باللغة العربية. و تصدى الوليد بن يزيد لجمع ديوان العرب: أشعارها وأخبارها وأنسابها.
واهتموا بالتعليم، فكان معاوية أول من أنشأ المدارس الابتدائية (الكتاتيب). والتفتوا إلى أهمية المراصد الفلكية، فبنوا مرصدًا في دمشق. وأحدثوا البريد بمراحله وفنادقه وخيوله السريعة. ووضعوا نظام الأوقاف والأحباس ودواوين الملك ومراسيمه، ونظام الحِسْبة وأنظمة القضاء وسجلاته.
وبلغوا في التنظيم الحربي شأواً عظيمًا. أوجدوا نظام الكراديس وهي طوائف من الخيول والجيش. وساد أسطولهم على البحر الأبيض المتوسط، وغزت سفنهم القسطنطينية واشتد حصارهم لها حتى كادت تسقط في أيديهم.
وحرصوا على تنمية موارد الدولة المالية. فأصلحوا وسائل الري ونوعوا في المحاصيل الزراعية، واستصلحوا الأراضي البور، وفتحوا القنوات وبنوا السدود. ولعل أول من فعل هذا منهم يزيد بن معاوية، وكان مهندسًا، وهو الذي فتح مجرى نهر يزيد المعروف باسمه في دمشق.
عوامل سقوط الدولة الأمويةالعصبية العربية. اتسمت سياسة الأمويين بالاعتماد على العرب وتمييزهم على غيرهم. وأدت هذه السياسة إلى نفور كثير من العناصر غير العربية من الأمويين وانضمامها إلى الأحزاب المعارضة للحكم الأموي، مثل الشيعة والخوارج.
العصبية القبلية. بالرغم من أن الإسلام سعى إلى القضاء على العصبية القبلية وأحل محلها رابطة الإخاء الإسلامي. فقد أطلَّت القبلية برأسها في عهد الأمويين من جديد ولكن في نطاق ضيق، نتيجة لسياسة بعض الأمويين التي قامت على تفضيل قبائل دون أخرى. فاحتدم الصراع بين القبائل المضرية والقبائل اليمانية، وقامت بسبب هذا بعض الفتن والثورات، خاصة في عهد الوليد بن يزيد بن عبدالملك.
ولاية العهد. سعى معاوية إلى أخذ البيعة لابنه يزيد دفعاً لفتنة محتملة. وقد أصبح هذا النهج سنة اتبعها كل خلفاء الدولة الأموية، وأدى ذلك إلى وقوع نزاع بين أبناء الأسرة الأموية. فمثلاً انتقم سليمان بن عبدالملك من كل من كانوا يشجعون أخاه الوليد على خلعه من ولاية العهد، حتى قتل من بينهم اثنين من أعظم قواد الفتوح الإسلامية، هما: محمد بن القاسم الثقفي وقتيبة بن مسلم. وترتب على هذا انشقاق في البيت الأموي، فكانت فرصة ثمينة لمن رغب في إسقاط حكمهم.